الخميس، 1 يناير 2009

روبرت فيسك يكتب عن العجز والفساد فى مصر


من هو روبرت فيسك:
روبرت فيسك (ولد في 12 تموز 1946) صحفي بريطاني وحاليا هو المراسل الخاص لمنطقة الشرق الأوسط لصحيفة الأندبندنت البريطانية، وهو يعيش حاليا في بيروت، لبنان ويعتبر فيسك أشهر مراسل غربي خلال ثلاثين سنة من تغطيته لأبرز الأحداث منها الحرب الأهلية اللبنانية وكان شاهدا على مذبحة صبرا وشاتيلا و الثورة الإيرانية و الحرب العراقية الإيرانية و حرب الخليج الأولى و غزو العراق 2003 ، ويعتبر فيسك من المعارضين لسياسة بريطانيا وأمريكا أو ما أسماها الأنغلو ساكسونيون وله كتاب بعنوان "الحرب من أجل الحضارة:السيطرة على الشرق الأوسط".


بعد اهتمام الكاتب البريطانى الشهير روبرت فيسك، بالعمليات الإسرائيلية على قطاع غزة، كتب فيسك فى مقاله بجريدة الإندبندنت، عن مصر بعنوان "العجز والفساد فى مصر"، تطرق خلاله للجماهير فى الشوارع العربية والمصرية.

استجدت ملايين الجماهير العربية فى شوارع القاهرة والكويت وعمان وبيروت قلق وعطف العالم وشغل رد فعلهم إزاء حمامات الدم المتدفقة باستمرار فى الشرق الأوسط الرأى العالم الغربى. وهنا نجد سؤالاً يطرح نفسه: هل استطاع أنور السادات كبح غضب شعبه؟ وهل استطاع حسنى مبارك بعد مرور ثلاثة عقود منذ توليه مقاليد الحكم، كبح غضب الشعب المصرى؟ الإجابة هى أن المصريين والكويتيين والأردنيين يسمح لهم بالطبع بالقيام بالمظاهرات العارمة فى عواصم بلادهم، مستنكرين بأعلى أصواتهم ما يحدث، ثم يتم إخراسهم والقبض عليهم بمساعدة عشرات الآلاف من قوات شرطة سرية ومسلحين تابعين للحكومة يخدمون أمراء وملوك وحكام العالم العربى.

ويطالب المصريون الرئيس مبارك بفتح معبر رفح، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، ومساعدة حماس بإرسال أسلحة تحارب بها العدوان الإسرائيلى. ويشعر المرء بالتعجب عندما يسمع رد فعل الحكومة المصرية: لماذا لا نعترض على رفض إسرائيل فتح المعابر الثلاث الأخرى؟، بالإضافة إلى أن معبر رفح تتحكم فيه سياسيا أربع قوى أخرى قامت بوضع "خريطة الطريق" لإحلال السلام هناك ومنها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، لماذا إذن يتحمل مبارك وطأة اللوم وحده؟

يجب أن نعترف هنا أن مصر لا تستطيع فرض سيادتها على حدودها وفتح المعبر دون إذن من واشنطن أولا، الأمر الذى يعكس عجز وضعف القادة الذين يحكمون الشرق الأوسط.

والحقيقة إن فتح معبر رفح أو قطع العلاقات مع إسرائيل سيؤدى بالضرورة إلى تدهور الاقتصاد المصرى. وبالطبع إذا تجرأ أى قائد عربى على اتخاذ مثل هذه الخطوة، فإن العواقب ستكون وخيمة، وذلك لأن الغرب سيقوم بسحب الدعم الاقتصادى والعسكرى فورا، والذى يقدمه لهذا البلد. وبالنظر إلى حال الاقتصاد المصرى، نجد أن الدولة دون الإعانات التى تتلقاها، ستعانى من إفلاس مؤكد. وكما هو المعتاد، لن يدل القادة العرب بتصريحات عاطفية من شأنها وضعهم فى مأزق، مثلما حدث عندما أعرب السادات فى القدس عن سخطه وحنقه إزاء نظرائه القادة العرب: "لقد تعبت من الأقزام"، فكانت النتيجة أنه دفع روحه ثمنا غاليا لذلك فى القاهرة، حين أطلق عليه النار أحد جنوده ملقبا إياه "بالفرعون".

وعلى الرغم من ذلك، فإن العار الحقيقى الذى يلطخ تاريخ مصر لا يتمثل فقط فى رد فعلها السلبى إزاء المذابح الوحشية فى غزة، وإنما فى الفساد الذى يعترى جميع أنحاء المجتمع المصرى. ففكرة وجود الخدمات العامة والصحة والتعليم وتحقيق الأمن الحقيقى للعامة المصريين، تلاشت بمرور الوقت وأصبحت غير موجودة. فعلى أرض هذا البلد، يتحدد واجب قوات الشرطة الرئيسى فى حماية النظام، هذا النظام الذى فى ظله يتعرض المتظاهرون والمعترضون للضرب من قبل قوات الأمن، وتتعرض السيدات اللاتى يعترضن على نظام مبارك، إلى الإساءة الجنسية من قبل عسكر يرتدون ملابس مدنية، وأيضا يُجبر الحراس السجناء على ممارسة الجنس مع بعضهم بعضا.

ومؤخرا ظهر فى مصر نوع من الواجهة الدينية، تطبق تعاليم الدين الإسلامى فقط من الناحية المادية. فالمسئولون التابعون للحكومة المصرية، غالبا ما يؤدون شعائرهم الدينية بدقة بالغة، وعلى الرغم من ذلك، لا يمانعون التلاعب فى نتائج الانتخابات، أو انتهاك القانون أو انتهاج التعذيب فى السجون. وقد وصف لى طبيب أمريكى حال إحدى مستشفيات القاهرة، التى قام أطباؤها بغلق الأبواب لمنع دخول المرضى. وفى نوفمبر الماضى، أوردت صحيفة "المصرى اليوم" أن الأطباء المصريين قد تخلوا عن المرضى فى سبيل حضور الصلاة فى شهر رمضان.

ووسط كل هذا الصخب المدوى، يضطر المصريون إلى العيش تحت ظروف البنية التحتية المتهالكة فى البلاد. وقد كتب علاء الأسوانى ببلاغة فى جريدة "الدستور" أن "شهداء" النظام يزيد عددهم عن ضحايا الحروب المصرية ضد إسرائيل. فضحايا حوادث القطارات، وغرق العبارات، وانهيار المبانى، والسرطان، والمبيدات، هم ضحايا "فساد وتعسف السلطة". وفتح معبر رفح للجرحى الفلسطينيين – هؤلاء الجرحى الذين نجوا من القصف الجوى وتم دفعهم مرة أخرى إلى جحيم غزة عندما وطأت أقدامهم الأراضى المصرية – لن يغير الأوضاع المذرية التى يعيش فيها المصريون فى الوقت الراهن.

ودعا سيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله فى لبنان، المصريين أن يقوموا بأعدادهم الغفيرة بفتح الحدود مع غزة، ولكنهم لن يفعلوا هذا. بل قام أحمد أبو الغيط، وزير الخارجية المصرى "الضعيف"، باتهام زعماء حزب الله بمحاولة إحداث " فوضى عارمة كتلك التى خلقوها فى بلدهم".

ولكنه "أبو الغيط" محمى بشكل جيد، مثل الرئيس مبارك.

فمعاناة مصر تتماثل فى جوانبها، فى نواح كثيرة، مع مأساة الفلسطينيين، فعجزها وقلة حيلتها فى التصرف حيال معاناة غزة، إن دل على شىء، فلا يدل إلا على مرض وعقم السياسة فى مصر.



ليست هناك تعليقات: