الخميس، 11 فبراير 2010

محنة أم منحة؟ (2- كشف حساب: أحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ)

كشف حساب: أحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ

فى هذه التدوينة نواصل بحث حقيقة الأمر، أهو محنة أم منحة؟
فنتأمل ماذا خسرت أو فقدت؟ ثم فى التدوينة القادمة بمشيئة الله نحاول الإحاطة بالمكاسب (فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) من الآية 174 آل عمران

وهى تدوينة موجهة فى الأصل لكل ظالم بغى بغير حق أو أصدر قراراً أو وقعه أو سكت عنه أو كان يستطيع أن يرفع ظلم ولم يفعل

يقول سبحانه:
(أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) من الآية 172 الأعراف
ويقول سبحانه: (يوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) 6 المجادلة


أيها الظالم: هذا كشف حساب، إقرأه جيدا، وتذكره جيدا، فإنه (عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى) من الآية 52 طه، حتى ألقاك يوم العرض على الله (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ) 18 الحاقة (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) 49 الكهف

1- أليس في علم ربي كل كتاب أخذته؟ بل كل ورقة، وهي بالإضافة إلى قيمتها المادية، فهي كلها والحمد لله لا تحتوي إلا على الخير، ولكل كتاب منها أو ورقة مكانة فى قلبي،
(للعلم فقط: تم الاستيلاء على أكثر من 100 كتاب، من جميع الأنواع، حتى كتب القراءة للجميع!! وكتب الأنف والأذن!! بل منها أيضا كتاب للطبيخ!!!)
أسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناتي وأن يعوضني عنها خيراً فى الدنيا قبل الآخرة،
وأنت أيها الظالم؟؟!! كيف حال ميزانك؟؟!!


2- أليس في علم ربي الكمبيوتر (اللاب توب)؟ والهارد ديسك الخارجي؟ والفلاشة؟ وأكثر من 200 أسطوانة مدمجة (سي دي) تحتوي على مجهود سنين طوال من الأبحاث والمحاضرات والرسائل العلمية والصور الشخصية والعلمية والأفلام والمقالات والليالي الطويلة من إعداد المادة العلمية لكتاب الأذن والأنف والحنجرة (مني ومن زملائي) والبرامج الأصلية وحتى علب الأقراص التي لم تستعمل، هل تذكر كل هذا أم لا؟
والحمد لله فقد جمعت منها استطعت بعد الخروج، وبفضل الله وبمشيئته سيبدلني الله سبحانه بها خيرا فى الدنيا قبل الآخرة.. وسيظل وزرها كاملاً على ظهرك لتقابل به خالقك يوم الحساب.

3- أليس في علم ربي الكمبيوتر الشخصي (الخاص بالأولاد)؟ والذي يحتوي على ألعابهم وذكرياتهم وصورهم وملفاتهم الشخصية ويحتوي على أكثر من 100 كتاب طبي وأكثر من 150 فيلم تعليمي بالإضافة إلى آلاف الصور المختلفة والتي أتذكرها ويتذكرونها كل يوم،.. تذكرها أنت أيضا، وهي قطرة من بحر، بحر الوطن الذي يُنهب ويسرق ويدمر كل يوم، سيحاسبكم عليه من لا يغفل ولا ينام.

4- أليس في علم ربي ترويع الآمنين في بيوتهم بواسطة زوار الفجر؟ ويستيقظ الأطفال فزعين وهم يرون هذا الجيش الجرار المدجج بالسلاح وهو يحرس البشر الذين ينطلقون فى أنحاء البيت فى الساعة الثانية صباحا ليبحثوا عن "الكتب"!!
وهذا هو الإفلاس التام في مواجهة الفكر

5- أليس فى علم ربي حرماني من أهلي؟ وحرمان أهلي مني؟.. أمي الغالية والتي عهدتني أتفقدها كل يوم والتي تصارع مرضها وتحتاج لرعاية مستمرة، وزوجتي وأبنائي، والتي قامت صغرى بناتي بحساب وقت اعتقالي بالساعات والدقائق بل والثواني!! وكانت تخبرني بها فى كل زيارة! فيكون إجمالي حسابك 2472 ساعة، = 148320 دقيقة، = 8899200 ثانية!! وهذا لي وحدي، فما بالك بالعديد من المظلومين الذين قد تكون نسيتهم!! تخيلها فى ميزانك أمام الله وأعد لها جواباً!!
ولله
الحمد كان انعكاسها عليهم مزيدا من التقدير للدعوة والفخر بها والإصرار عليها والإحساس بعظم مهمة الإصلاح والثمن المطلوب لذلك.

6- أليس في علم ربي كذلك، الطلاب؟ طلاب الدراسات العليا من المسجلين للماجستير والدكتوراة والزمالة المصرية؟ والذين أخرهم هذا الاعتقال؟ تذكر هذه الأسماء تحديداً: د. خالد ود. أحمد ود. محمد ود. السيد ود. شيماء،.. وتذكر تأثير هذا التأخير عليهم وعلى أسرهم وعلى مسار حياتهم!!
وكذلك طلاب الفرقة الرابعة بكلية الطب والذين إلتقيتهم فى أول محاضرات العام ثم فوجئوا باعتقالي لهذه المدة، تذكر أن هناك 14 محاضرة كانت تحمل العلم النافع لم يسمعها هؤلاء الطلاب، وقد يكون لها تأثير على تحصيلهم ومستواهم العلمي ومن الممكن أن يستمر طوال حياتهم وقد يتأثر به العديد من المرضى!! كل هذا أضيف إلى حسابك!

7- أليس في علم ربي مرضى العيادة الخارجية بمستشفى الجامعة؟ وعيادتى الخاصة؟ الذين يتكبدون المشاق ليأتوا حسب مواعيدي فتصعقهم المفاجأة، الدكتور معتقل!!
وهؤلاء المرضى منهم من يأتي من العريش مثلاً أو من كفر الشيخ ومنهم من يحتاج لمتابعة منتظمة (مثل الأطفال ياسين وشهد شفاهم الله)، فتنهال اللعنات عليكم أيها الظالمون، يا ويل الظالمين.. عندما يتفاجأوا بجبال الدعوات واللعنات التي سيجدونها إن شاء الله فى موازينهم

8- أليس فى علم ربي المهام التي كنت أقوم بها أو أتابعها داخل الكلية؟ وداخل القسم؟ من لجان وأعمال إمتحانات وتصحيح والتى تأثر بعضها وتوقف البعض الآخر مثل مشروع الرخصة الدولية لقيادة الحاسب الآلي والذي انهار تماما داخل كلية الطب فى عامه الثاني بعد أن كان أداء كلية الطب في المشروع العام السابق نموذجا أشاد به رئيس الجامعة ونائبه وعميد الكلية ووكيلها، ستسألون جميعاً أمام الله عن هذا.. وتحملوا دعوات هؤلاء المظلومين أيضا!!

9- والقائمة طويلة لا يحصيها إلا الله.. من دور كنت أؤديه بين الجيران أو الزملاء أو الأهل.. ستجدون هذا جميعا أمامكم .. وأكثر منه ..

هذا ما استطعت أن أتذكره من كشف حسابي،
أما كشف الحساب الكامل لي ولغيري،
فإنه (عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى) من الآية 52 طه (يوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) 6 المجادلة،


إنتبه لهذه الآيات:
يقول سبحانه: {لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} ق 22،
ويقول سبحانه: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} مريم 39،
ويقول سبحانه: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ} الأنبياء1.
ويقول سبحانه: {يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} الأنبياء97،


والله ما قصدت من هذه التدوينة إلا تذكيركم بالله أيها الظالمون،
نحن والحمد لله نرجو رحمة ربنا ونخشى عذابه
ومهما بغيتم علينا فأنتم أخوتنا فى الإنسانية وفى الإسلام،
ولن نستفيد شيئاً من ذهابكم إلى مصيركم المحتوم إذا ظللتم على ظلمكم وبغيكم،
ووالله لا أجد فى نفسي إلا الإشفاق عليكم!!
ماذا حققتم من كل هذا الظلم؟
هل تستطيعون أن تمنعوا رزق الله عنا؟
كل ابتلاء يجري علينا هو من قدر الله، ولقد كان بفضل الله علينا بردا وسلاماً،
وفي نفس الوقت ستحاسبون عليه قطعاً
نسأل الله لنا ولكم الهداية

وقريبا بمشيئة الله، التدوينة القادمة (وانهالت علينا فيوضات الخيروالرحمات)

الثلاثاء، 2 فبراير 2010

محنة أم منحة ؟ (1- بين المنع والعطاء)

محنة أم منحة؟ (1- بين المنع والعطاء)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ*}
الفجر 15-16

هكذا يتعامل الإنسان دائما مع قضية المنع والعطاء، ولا يدرك الإنسان أن كلاهما- كما قال ربنا - "إبتلاء"، ولذلك كان التعقيب الإلهي على هذين القولين فى بداية الآية التالية: "كلا" حتى يبحث الإنسان عن حقيقة المنع والعطاء.

يقول ابن عطاء الله: ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك، متى فتح باب الفهم في المنع عاد المنع عين العطاء.
ويقول أيضاً: إنما يؤلمك المنع لعدم فهمك عن الله فيه.

انظر معي لتعرف هل هذا منع أم عطاء:
- فرعون الذي أعطاه الله الملك، فقال أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي، ثم زاد فقال أنا ربكم الأعلى..!!
- قارون الذي أعطاه الله المال، فقال إنما أوتيته على علم عندي ..!!
- صاحب الجنتين الذي قابل رزق الله له بقوله {مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} ثم زاد فقال {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} ..!!

وفى المقابل:
- سيدنا إبراهيم عندما أمر بذبح وحيده: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ﴾ (الصافات:103- 106).
- سيدنا يونس والحوت: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} (الأنبياء 87-88).
- سيدنا أيوب والمرض: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} (الأنبياء: 83-84).
- سيدنا يوسف وقصته مليئة بمواقف عديدة بين المنع والعطاء (حب أبويه - الجب - بيت العزيز - السجن ...) وهي مواقف قد يحتار الكثير فى تصنيفها أهي منع أم عطاء..!!

وهكذا فكل ابتلاء من الله من الممكن أن يكون منعاً أو عطاءً على حسب أثره على الإنسان، وتعامل الإنسان معه ..

يقول ابن عطاء الله: ربما فتح لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول وربما قضى عليك بالذنب فكان سبباً في الوصول. معصية أورثت ذلاً وافتقارا خير من طاعة أورثت عزاً واستكبارا.

وهكذا تصبح حقيقة العطاء أنه كل ما يقربك من الله من أمور الدنيا أو الآخرة.. وتصبح حقيقة المنع أنه كل ما يبعدك عن الله من أمور الدنيا والآخرة..

إذا أدركت هذه الحقيقة، يصبح بيدك أن تحول كل المحن إلى مِنَحٍ، وكل ما هو ظاهره منع إلى عطاء، وأن تحول كل ابتلاء إلى طريق للوصول إلى الله..

ودائما راقب قلبك.. فالمعراج إلى الله هو معراج القلوب، وليس بكثرة الأعمال..

نسأل الله سبحانه أن يرزقنا وإياكم الإخلاص والقبول.