الثلاثاء، 2 فبراير 2010

محنة أم منحة ؟ (1- بين المنع والعطاء)

محنة أم منحة؟ (1- بين المنع والعطاء)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ*}
الفجر 15-16

هكذا يتعامل الإنسان دائما مع قضية المنع والعطاء، ولا يدرك الإنسان أن كلاهما- كما قال ربنا - "إبتلاء"، ولذلك كان التعقيب الإلهي على هذين القولين فى بداية الآية التالية: "كلا" حتى يبحث الإنسان عن حقيقة المنع والعطاء.

يقول ابن عطاء الله: ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك، متى فتح باب الفهم في المنع عاد المنع عين العطاء.
ويقول أيضاً: إنما يؤلمك المنع لعدم فهمك عن الله فيه.

انظر معي لتعرف هل هذا منع أم عطاء:
- فرعون الذي أعطاه الله الملك، فقال أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي، ثم زاد فقال أنا ربكم الأعلى..!!
- قارون الذي أعطاه الله المال، فقال إنما أوتيته على علم عندي ..!!
- صاحب الجنتين الذي قابل رزق الله له بقوله {مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} ثم زاد فقال {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} ..!!

وفى المقابل:
- سيدنا إبراهيم عندما أمر بذبح وحيده: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ﴾ (الصافات:103- 106).
- سيدنا يونس والحوت: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} (الأنبياء 87-88).
- سيدنا أيوب والمرض: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} (الأنبياء: 83-84).
- سيدنا يوسف وقصته مليئة بمواقف عديدة بين المنع والعطاء (حب أبويه - الجب - بيت العزيز - السجن ...) وهي مواقف قد يحتار الكثير فى تصنيفها أهي منع أم عطاء..!!

وهكذا فكل ابتلاء من الله من الممكن أن يكون منعاً أو عطاءً على حسب أثره على الإنسان، وتعامل الإنسان معه ..

يقول ابن عطاء الله: ربما فتح لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول وربما قضى عليك بالذنب فكان سبباً في الوصول. معصية أورثت ذلاً وافتقارا خير من طاعة أورثت عزاً واستكبارا.

وهكذا تصبح حقيقة العطاء أنه كل ما يقربك من الله من أمور الدنيا أو الآخرة.. وتصبح حقيقة المنع أنه كل ما يبعدك عن الله من أمور الدنيا والآخرة..

إذا أدركت هذه الحقيقة، يصبح بيدك أن تحول كل المحن إلى مِنَحٍ، وكل ما هو ظاهره منع إلى عطاء، وأن تحول كل ابتلاء إلى طريق للوصول إلى الله..

ودائما راقب قلبك.. فالمعراج إلى الله هو معراج القلوب، وليس بكثرة الأعمال..

نسأل الله سبحانه أن يرزقنا وإياكم الإخلاص والقبول.


هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

بارك الله لك أخي أحمد وزادك علما واسعا وعملا نافعأ واسمح لي ان أضيف ان معرفة المسلم بربه الكريم صفاته العلا ولطفه بخلقه تجعله دوما يعيش رغم كل المحن في حالة اطمئنان وسلام عجيب وتري في قسمات وجهه علامات الرضا ومخايل الثقة بأنه ﻻ يتم في ملك الله شيئا الا بأمر الله . اخوك أيهاب ابراهيم

غير معرف يقول...

الحمد لله على سلامتك يا دكتورنا وحشتنى جداً
أسأل الله لكم القبول والرضا ولا حرمكم الله أجر جهادكم وزادكم الله بصيرة وهدى
أخوكم / الحسيني إبراهيم

غير معرف يقول...

اللهم تقبل من أخي أحمد ومن كل المصلحين، واجعل ساعات الابتلاء في موازين حسناتهم يارب العالمين، أخوك أشرف الجداوي

أميمة كامل يقول...

يقول ابن عطاء الله: ربما فتح لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول وربما قضى عليك بالذنب فكان سبباً في الوصول. معصية أورثت ذلاً وافتقارا خير من طاعة أورثت عزاً واستكبارا.

معنى عميق جدا ويحوى فى ثناياه رحمة

الله بعباده وقيمة عظيمة للتوبة

والإقبال على الله بالإستفغار مهما عظمت

و ثقلت الذنوب وعدم الإطمئنان

للطاعات مهما كان حجمها فقبولها

مرتبط بالإنكسار لله والذل بين يديه