السبت، 3 أبريل 2010

مع الابتلاء.. انهالت علينا فيوضات الخير والرحمات

مع الابتلاء.. انهالت علينا فيوضات الخير والرحمات
من فضل الله علينا في تجربة الاعتقال أنه سبحانه شملنا بالسكينة والرحمة منذ اللحظات الأولى،
وأصبحت معية الله والتوكل عليه معك مثل أنفاسك ونبضات قلبك،
وأصبحت آيات القرآن لها معاني جديدة لم تخطر على بالك يوما،
وأصبحت أوقات الصلاة حياة أخرى تستشعر فيها كيف يكون القيام بين يدي الله،
وأصبح الدعاء والذكر والمناجاة عبادات حية لها روح وأثر لا يوصف،
وظهرت حالة جديدة لم تكن تُدرك من قبل بسهولة ألا وهي الخلوة مع النفس، ففي معترك الحياة يصبح قريب من المستحيل أن تحصل على هذا الوقت لتخلوا مع نفسك بدون علائق أو مشاغل أو ملهيات، وعندها تعيش معنى قول ابن عطاء الله: ما نَفَعَ القَلْبَ شَئٌ مِثْلُ عُزْلةٍ يَدْخُلُ بِها مَيْدانَ فِكْرَةٍ، وكذلك قوله: ادْفِنْ وُجودَكَ في أَرْضِ الخُمولِ، فَما نَبَتَ مِمّا لَمْ يُدْفَنْ لا يَتِمُّ نِتاجُهُ.
وهذا ليس شعور خاص بي وحدي، أو أفراد عائلتي، ولكنه تردد أمامي من معظم من قابلت من إخواني فى خلال هذه الرحلة متعددة المحطات ما بين حجز قسم الشرطة والنيابة والمحاكم والسجون والترحيلات، حتى أحسسنا تحقق الآية الكريمة {فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} (من الآية 174 آل عمران) فكل ما نتعرض له يندرج تحت ما وصفته الآية الكريمة {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى} (من الآية 111 آل عمران) وصدق الله الذي يقول {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (من الآية 120 آل عمران).

وإذا تأملت الابتلاء وجدته أساس وجود الإنسان {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} الإنسان 2.
بل هو أصل وجود الحياة {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} تبارك 2.
فلا يمكن أن ينقطع الابتلاء عن الحياة.
والابتلاء ليس بالشر فقط، يقول الله سبحانه: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } الأنبياء 35.
قد يُنعم الله بالبلوى وإن عظمت………. ويبتلي الله بعض القوم بالنعم

وعلى قدر النجاح في هذه الابتلاءات تقسم الدرجات يوم القيامة، يقول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ " رواه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني.
وأكثر الناس بلاءً الأنبياء، فعن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: "الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ" (الترمذي)
يقول ابن عطاء الله: ما تَرَكَ مِنَ الجَهْلِ شَيْئاً مَنْ أَرادَ أَنْ يَحْدُثَ في الوَقْتِ غَيْرُ ما أَظْهَرَهُ اللهُ فيِهِ.
فلابد أن يعلم المصاب أن المصيبة واقعة، فيوطن نفسه على أن كل مصيبة تأتي إنما هي بإذن الله – عزَّ وجلَّ – وقضائه وقدره فإن الأمر له، فإنه كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } [الحديد: 22- 23]، ويعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه أو يضروه فلن يحصل ذلك إلا بشيء قد كتبه الله له أو عليه.
تأمل معي هذه الآيات: يقول الله تعالى:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} البقرة 155-157.
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ } محمد 31.
{أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} العنكبوت 2-3.
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} (214) سورة البقرة.
والاعتقال أحد الابتلاءات التي قد تجري على من يشاء الله من عباده، وينطبق عليه ما ينطبق على غيره.
والناس حين نزول البلاء ثلاثة أقسام:
الأول: محروم من الخير يقابل البلاء بالتسخط وسوء الظن بالله واتهام القدر،
الثاني: موفق يقابل البلاء بالصبر وحسن الظن بالله،
الثالث: راض يقابل البلاء بالرضا والشكر وهو أمر زائد على الصبر،
والمؤمن (نسأل الله أن نكون من المؤمنين) كل أمره خير، فهو في نعمة وعافية في جميع أحواله،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له (رواه مسلم).
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.
وبقدر ما ينزل البلاء، بقدر ما يصاحبه اللطف من الله، يقول ابن عطاء الله: مَنْ ظَنَّ انْفِكاكَ لُطْفِهِ عَنْ قَدَرِهِ فَذلِكَ لِقُصورِ نَظَرِهِ .
ويقول ابن عطاء الله أيضا: ليُخَفِّفْ أَلمَ البَلاءِ عَلَيْكَ عِلْمُكَ بِأَنَّهُ سُبْحانَهُ هُوَ المُبْلي لَكَ. فَالَّذي واجَهَتْكَ مِنْهُ الأقْدارُ هُوَ الَّذي عَوَّدَكَ حُسْنَ الاخْتِيارِ.
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ: "وإذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته، بما ساقهم به إلى أَجَلِّ الغايات وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون إليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان، وكان ذلك الجسر لكماله كالجسر الذي لا سبيل إلى عبورهم إلى الجنة إلا عليه، وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين المنهج في حقهم والكرامة، فصورته صورة ابتلاء وامتحان، وباطنه فيه الرحمة والنعمة، فكم لله من نعمة جسيمة، ومنة عظيمة تجنى من قطوف الابتلاء والامتحان.
ويقول أيضا رحمه الله: "ولولا هذا الابتلاء والامتحان لما ظهر فضل الصبر والرضا والتوكل والجهاد والعفة والشجاعة والحلم والعفو والصفح، والله سبحانه يحب أن يكرم أولياءه بهذه الكمالات، ويحب ظهورها عليهم ليثني بها عليهم هو وملائكته، وينالوا باتصافهم بها غاية الكرامة واللذة والسرور، وإن كانت مُرةٌ المبادئ فلا أحلى من عواقبها، ووجود الملزوم بدون لازمه ممتنع".
أن الأذى الذي يلحق المؤمن بسبب إيمانه وجهاده يترتب عليه من الفوائد العظيمة، والعواقب الحميدة ما يجعل هذه المحنة منحة، والبلية عافية ورحمة، وذلك لما يتضمنه البلاء من تقوية الإيمان، وزيادة اليقين، ورفعة الدرجات، ومضاعفة الحسنات، وتكفير السيئات، وإلجاء العبد إلى فاطر الأرض والسموات، وإشعاره بفقره وضعفه، وشدة حاجته إلى ربه، وحمله على الانكسار بين يديه، ورفع أكف الضراعة إليه، فيفتح الله له بسببه من أبواب رحمته، وحلاوة طاعته، ولذة مناجاته، والقرب منه وصدق اللجوء إليه، ما هو خير وأبقى من ذلك المتاع الذي فاته بهذا البلاء.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزق أهل الابتلاء الصبر والثبات والإخلاص ويتقبل منهم وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد، يُعَزُ فيه أهل طاعته، ويُهدى فيه أهل معصيته، ويُذَلُ فيه أهل عداوته، ويؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، ويُحكم فيه بشرعه، إنه نعم المولى ونعم النصير وهو حسبنا ونعم الوكيل.

هناك 5 تعليقات:

غير معرف يقول...

ماشاء الله لا قوة الا بالله ماهذه الكلمات الجميلة يا أستاذنا نسأل الله أن ينفعنا واياك بهذه الفيوضات وأن يرزق جميع اخواننا المعتقلين لذة الطاعة والأنس بالله انه على مايشاء قدير.

OMR MOH FAH يقول...

لا فوض فوك ياباشا.... اذكر قراءكم.. بان القلب اصل الداء والدواء -- الا ان في الجسد مضغه اذ صلحت صلح سائر واذا فسدت فسد سائر الجسد الا وهي القلب ...
القلب اصل الداء والدواء

Ahmed Hussein يقول...

وكم في المحنة من منحة وكم في البلاء من اصطفاء فالانسان داخل معترك الحياه وعجلة الزمن لا يري جيدا فاذا ما اتيح له ان يخرج من هذه الدائرة فهو يري الدنيا بعيون مختلفة وهذه احدي نعم ان يتم تفرغك رغما عنك

غير معرف يقول...

استاذنا ومعلمنا
عشت مع تاملاتك حتى تمنيت هذة المحنة واحسدكم عليهاان من الله عليكم واصطفاكم لها وحرمنا نحن
تخيل يا سيدى تلك المعادلة من يقرا تاملاتكم ورحمات الله التى تنزلت عليكم يشعر بالحرمان فنحن المحرومون وليس من غيب وراء الاسوار
وقد ساهمت انت والدكتور عصام العريان فى جعلنا نكاد نحصر حكم ابن عطاء الله فى ادب الاعتقال والمحن لما لها من حضور قوى ونظرة مختلفة لمعانى الابتلاء والحرمان والمنح والعطاء

سيدى اخجل ان اشكو من الم بجسدى او مرض يعاودنى وانا ارى منكم هذا الثبات والصبر على ماهو اكثر وانتم نجوم مجتمعاتكم واهل الصفوة فى بلادكم اسال الله سبحانه ان يجمعنى بكم قريبا لاقبل يدا علمتنى وارشدتنى حتى والاجساد بعيدة والغربة تفرق بيننا

xccc يقول...

To have a greater publicity to your products or personality, being active on social networking just like Twitter is very important currently. Individuals who are able to expend money for this to buy twitter followers may quickly get exposure for their products over-night. buy twitter followers